الطريق الرقمي السريع للأنظمة الاقتصادية الناشئة
لقد كان للجائحة عواقب وخيمة على الأنظمة الاقتصادية الناشئة، بحيث هددت بالإطاحة بالتقدم المحرز على مدى الثلاثين سنة الماضية. ففي العديد من البلدان، أدّى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى ارتفاع مستوى البطالة وقطع سلاسل الإمداد وتدمير قطاعات بأكملها. وإذا بقينا مكتوفي الأيدي، قد تتطلّب هذه البلدان سنوات طويلة لاستعادة عافيتها، ما سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأنظمة الاقتصادية المتقدمة والأنظمة الاقتصادية الناشئة. في المقابل، تظهر مؤشرات معاكسة قد تقلب جميع المقاييس، فإذا تخطت التحاليل العناوين القصيرة الأجل ونظرت في المؤشرات الطويلة الأمد، يمكن توقّع نتائج مغايرة تمامًا.
وفي هذا الإطار، أفاد تقرير Digital Sprinters الذي صدر العام الماضي أنّه إذا تبنّت الأنظمة الاقتصادية الناشئة السياسات الرقمية المناسبة، قد تصبح أقوى وأكثر استعدادًا لتسريع وتيرة النمو والاستفادة من الفرص الاقتصادية. في ظلّ جائحة كورونا، ذهب العالم أكثر فأكثر نحو تبني التكنولوجيا من أجل التعلّم وممارسة الأعمال التجارية، إلّا أنّ حوالى نصف الأسر في البلدان الناشئة لا تزال تفتقر إلى اتصال سريع بالإنترنت بنطاق ترددي واسع. وإذا تبّنت الأنظمة الاقتصادية الناشئة الوسائل الرقمية على نطاق أوسع، يمكنها إنتاج بحدود 3.4 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية بحلول العام 2030. ويُترجم هذا النمو بارتفاع هائل في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 31 بالمئة في المملكة العربية السعودية، و28 بالمئة في مصر، و52 بالمئة في الإمارات العربية المتحدة.
وللبلوغ إلى هذا المستوى من النمو، يجب تبني مبادرات تركّز على أهداف محددة. فالحكومات في الأسواق الناشئة تود معرفة أين ينبغي استثمار الموارد المحدودة، وكيفية دعم الخبرات المحلية وتنميتها. لذلك، وبالاستناد إلى تقرير Digital Sprinters، وكّلت Google معهد Portulan Institute لإنشاء "مؤشر الجاهزية الاقتصادية للمستقبل"، وهو أداة معنية بتحديد التقدم الرقمي ووضع خريطة طريق للمستقبل.
مؤشر الجاهزية الاقتصادية للمستقبل
يوفّر هذا المؤشر للحكومات والأنشطة التجارية والمحللين مقاييس ومحطات شاملة لتقييم التحول الرقمي. قد لا تتوفر مقاييس ثابتة لتقييم المؤشرات على مستوى البلد بأكمله، ولكن إذا تم تقسيم البيانات على مجالات أساسية مثل البنى الأساسية وتنمية القدرات ومطابقة المهارات وتبني التكنولوجيا، يمكن لمؤشر Portulans Institute مساعدة البلدان على تركيز جهودها للحصول على أفضل عائد على الاستثمار. فمن بين الأنظمة الاقتصادية الناشئة الـ27 المشمولة بالدراسة، احتلّت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثالثة على مستوى الجاهزية للمستقبل، والمرتبة الـ 23 عالميًا. وإذا استثمرت الإمارات العربية المتحدة أكثر في مؤسساتها والبنى الأساسية لديها، يمكنها تحسين جاهزيتها للمستقبل بدرجة هائلة.
انتهاز الفرص للتفوق في السباق
تتمتّع الأنظمة الاقتصادية الناشئة بمزايا مهمة، فبعكس الأنظمة الاقتصادية المتقدمة التي عليها تحسين أو استبدال البنى الأساسية القديمة لديها، يمكن للعديد من الأسواق الناشئة تحقيق طفرات هائلة من خلال إنشاء أدوات متقدمة منذ البداية بدلًا من العمل على تحسين أدواتها الحالية. (ففي التسعينيات، إنّ أوّل البلدان التي تبنّت تكنولوجيا الهواتف الجوالة لم تكن تمتلك بنى أساسية متطورة لخطوط الهاتف الأرضية.)
إذًا، إنّ الانطلاق من أحدث الوسائل التكنولوجية يؤدي إلى تعزيز التقدّم. ولكن، أي تكنولوجيا ينبغي اعتمادها؟ وكيف يمكن الاستثمار بشكل متوازن في رأس المال البشري والبنى الأساسية وغيرها من العوامل الرئيسية؟ وأي سياسات ستسرّع وتيرة التقدم وتحصد المكاسب الأكبر في المنافسة؟ يوفّر المؤشر مقارنات موضوعية للمساعدة على الإجابة على هذه الأسئلة. في الخلاصة، تساهم السياسة العامة الصالحة التي تدعم الابتكار التكنولوجي في زيادة المكاسب للجميع. فالتقدم التكنولوجي المنتشر على نطاق واسع قد ساهم في إطالة عمر البشر بمقدار الضعف على مدى القرن الماضي، وانتشل أكثر من مليار شخص من الفقر خلال آخر ثلاثين سنة فقط. بالتالي، إنّ الاستثمارات المستندة إلى الأدلة والسياسات والأدوات الرقمية ستساعد الأنظمة الاقتصادية الناشئة على إحراز المزيد من التقدم في السنوات القادمة.